لم تكن الرحلة الأخيرة إلى الصين مجرد زيارة عابرة، بل تجربة ثرية حملت الكثير من الحماس والمعرفة، خاصة مع المشاركة في ورشة عمل الكوادر في الدول العربية، التي نظمها مركز التعاون الاقتصادي الدولي بمقاطعة فوجيان تحت رعاية و زارة التجارة لجمهورية الصين الشعبية...فوجيان تلك المقاطعة الساحرة بطبيعتها، والمتقدمة اقتصاديًا وتكنولوجيًا وصناعيًا، بدت نموذجًا حيًا لفلسفة التنمية الصينية الحديثة.
منذ اللحظة الأولى، يشعر الزائر أن العمل في الصين لا يتوقف. حركة بناء مستمرة، وتطوير صناعي وتكنولوجي متسارع، يقابله في الوقت نفسه التزام واضح بالحفاظ على البيئة. تقدمٌ لا يسير على حساب الطبيعة، بل يتكامل معها، في نموذج تنموي متوازن يلفت الانتباه ويثير الإعجاب.
تقف خلف هذه النهضة رؤية استراتيجية واضحة، قادها الرئيس شي جين بينغ، بدأت بترسيخ الاستقرار وبناء دولة قوية، ثم الانتقال إلى رسم خريطة طريق للتنمية الشاملة. هذه الرؤية جعلت من الصين قوة عالمية في الاقتصاد والتكنولوجيا، ونجحت في تحسين مستوى معيشة مئات الملايين من المواطنين، في واحدة من أكبر تجارب التنمية في العصر الحديث.
وخلال ورشة فوجيان، تكشفت ملامح التجربة الصينية من الداخل؛ تخطيط طويل المدى، تنفيذ دقيق، ودور محوري للحزب الشيوعي في تحويل الرؤى السياسية إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع. تجربة تؤكد أن النهضة لا تُبنى بالصدفة، بل بالإرادة والعمل المنظم ووضوح الهدف.
التجربة الصينية اليوم تقدم نموذجًا فريدًا في مسار التنمية الحديثة، حيث تتحول الأفكار إلى خطط، والخطط إلى نتائج ملموسة. ما تشهده الصين ليس مجرد نمو اقتصادي تقليدي، بل مشروع نهضوي متكامل يقوم على التخطيط بعيد المدى والعمل المتواصل، ويستهدف الإنسان قبل الأرقام.
وفي مقاطعة فوجيان، تتجلى هذه الفلسفة بوضوح؛ طبيعة خلابة تتجاور مع مدن صناعية متطورة، وبنية تحتية حديثة تتوسع باستمرار. مشهد يعكس مفهوم «الحضارة الإيكولوجية» الذي تتبناه الصين، حيث تُبنى التنمية بالشراكة مع البيئة، لا على حسابها.
وتظل القيادة السياسية في قلب هذا التحول، إذ لعب الرئيس شي جين بينغ دورًا محوريًا في إعادة ترتيب أولويات الدولة، من خلال ترسيخ الاستقرار أولًا، ثم الانتقال إلى مرحلة التنمية عالية الجودة. رؤية اعتمدت على بناء مؤسسات قوية، وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع، وربط التنمية بالعدالة الاجتماعية.
كما قاد شي جين بينغ تحول الصين من «مصنع العالم» إلى قوة تكنولوجية كبرى، عبر الاستثمار المكثف في الابتكار، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي. إلى جانب ذلك، حققت الصين إنجازًا تاريخيًا بالقضاء على الفقر المدقع، ورفع مستوى معيشة مئات الملايين من المواطنين.
وعلى الصعيد الخارجي، برزت مبادرة «الحزام والطريق» كإحدى أهم أدوات السياسة الاقتصادية الصينية، حيث أعادت إحياء طرق التجارة العالمية، وفتحت آفاقًا واسعة للتعاون مع الدول العربية، خاصة في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والنقل، والاستثمار الصناعي.
كما تكشف ورشة العمل واللقاءات التي تستضيفها الصين لكوادر الدول العربية عن جانب بالغ الأهمية من التجربة الصينية، يتمثل في كيفية تحويل الرؤية السياسية إلى برامج تنفيذية، وربط التخطيط الحكومي بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما يطرح دروسًا عملية يمكن الاستفادة منها في العالم العربي.
الصين اليوم ليست مجرد قوة اقتصادية صاعدة، بل تجربة متكاملة في الإدارة والقيادة والتخطيط للمستقبل. تجربة تؤكد أن النهضة الحقيقية تُبنى بالصبر والعمل ووضوح الرؤية، وأن الطريق إلى المستقبل يبدأ دائمًا بخطة واضحة وإرادة قادرة على التنفيذ.